الجزء الرابع من كتاب: لغة الكون الإلهية. العفو وبداية جديدة

الجزء الرابع من كتاب: لغة الكون الإلهية. العفو وبداية جديدة

مقتطف من كتاب: لغة الكون الإلهية..الإستيقاظ

للكاتب: بولينت كارديان أوغلو

ترجمة : أميمة الزمراني

العفو و بداية جديدة

" أكبر الفضائل أن تحسن لمن قطع صلتك، وتعطي من حرمك، وتعف عمن ظلمك "

حديث نبوي شريف  

 

تحدثت إلى حدود هذه اللحظة عن فترة استيقاظي. نويت أن أتقبل كل ما عشته، واخترت أن أسامح وأعفو على كل شخص وكل ما عشته من سلبيات. يبدو كل شيء جيد لحدود الآن... لكنني قد أغفلت مسألة...العفو والتقبل ليسا مرادفين لنفس المعنى! فعندما كنت أسعى إلى التقبل، لاحظت أنني لم أستطع أن أسامح

يقال أن العفو فضيلة. انطلاقا من ذلك حاولت لمرات أن أسامح. لكن بالرغم من تقبلي فكرة أنني أنا من جذب كل ما عشته، إلا أنني لم أتمكن من العفو عن أولئك الأشخاص والأحداث

صوت بداخلي كان يصرخ "لاااااا". كنت أقول "فعلت بي ما فعته رغم كل ما قمت به من أجلك لن أسامحك أبدا!" لكنني كلما رددت " لن أسامحك أبدا" جذبت نحوي أشخاص وأحداث أخرى عجزت عن مسامحتها هي أيضا

خطر ببالي مثال: عندما يحدث عطل بالسيارة في الطريق، يتوجب سحبها إلى حافة الطريق. وحتى نتمكن من ذلك يجب أن نثبت أقدامنا على الأرض جيدا ثم ندفع السيارة. لكنني لم أكن أفعل ذلك. كانت إحدى يداي خلفي وإحدى رجلاي مرتفعة عن سطح الأرض. كم  يكفي من شخص ليدفع سيارة فقط برجل ويد واحدة؟ في الحقيقة كانت يدي التي تركتها خلفي ورجلي المرتفعة في الهواء تمثلان كل الأشخاص والأحداث التي لم أتمكن من مسامحتها. كنت دائما أهدر طاقتي على أحداث وذكريات مضت

فأدركت أن السير قدما استعصى علي بسبب انشغالي في التفكير بالماضي. كنت واقفا في مكاني لا أتقدم. أفكار عديدة ترددت في ذهني دون توقف "ماذا سأفعل؟ كيف سأتمكن من الوفاء بديوني؟ كيف سأنجح في ذلك؟ ماذا لو فشلت؟ ماذا لو استحال علي الأمر ؟" مئات من هذه الأفكار كانت تدور في ذهني دون توقف. ذهن لا يهدأ

كلما تذكرت الماضي، غضبت واستعصى علي الإستمرار في عملي. فقررت أن أعقد صفقة مع نفسي، حتى أتوقف عن تضييع طاقتي بالتفكير في الماضي

شاركت آنذاك في عدة ورشات للعفو، وتعلمت منها عدة تقنيات خاصة تقنيتين اثنتين

الأولى: أخذ شهيق عميق من الأنف، وطرح زفير من الأنف. تنفس الديافرام

الثانية: كتابة كل ما عشته من أمور سلبية على ورقة بيضاء خالية من السطور، ثم تمزيقها ورميها

صادفت حكمة تفسر هذا الوضع بالقول "يصعب ملئ ما هو ممتلئ أصلا ". كل الذكريات والأفكار السلبية كانت تملئ عقلي. لذلك كان من الضروري أولا إفراغ ذهني الممتلئ

كل ما أغضبني وأزعجني في السابق أفرغته يوميا على ورقة بيضاء، ورميته بإحدى القمامات في الشارع. ليس المهم متى كتبت وأين ألقيت به. لقد كان ذلك نافعا للغاية. كان في جعبتي الكثير مما لم أستطع البوح به لأحد وألقيته بداخلي، لدرجة أنني كلما كتبت أحسست براحة أكثر. وكلما مزقت ورقة وألقيتها قلت "عيش وانتهى !" . بعد رمي كل ورقة كنت أحس يوما بعد يوم بالراحة. كأنني كنت أحكي لأحد فينمحي ما حكيت.. لقد كنت أعالج نفسي بنفسي

أحيانا كنت أشك أنني ألعب لعبة تمثيل السعادة. غير أن ما كنت أقوم به هو محاولة إيجاد سبب جذبي أحداثا معينة وما كان علي أن أستخلصه منها

لاحظت أنني أضيع معظم أوقاتي في ما أغضبني وآذاني بالماضي. أي أنني أخسر طاقتي باستمرار. من أجل التقدم بدأت أسامح الناس واحدا تلو الآخر. وفي مرحلة المسامحة هذه، اعتقدت بداية أنه من الضروري أن أسامحهم وألتقي بهم وأتحدث معهم من جديد. وأنا لم أكن أرغب في ذلك بتاتا. حتى أنني أحيانا كنت أردد "ابتعد مني، ولتقترب من الله!" لم أفهم مدى خطورة هذه الجملة إلا بعد وقت طويل. إذا اقترب ذاك الشخص من الله، وابتعد عني أنا، فهذا يعني أنني سأكون بعيدا عن الله تعالى

علمت بعد ذلك، أنه ليس من الضروري، كي أسامح، أن ألتقي مع أولئك الأشخاص من جديد. يكفي أن أسامح بداخلي. فإذا خطر ببالي ولم ينتبن أي إحساس كيفما كان فهذا يعني أنني نظفت ما بداخلي وسامحت فعلا. وبهذه الطريقة سأتمكن من الإستفادة مما كنت قد أضعته من طاقة وجهتها لشخص أو حدث ما

في مرحلة المسامحة هذه، كلما سامحت شخصا تلو الآخر، بدأت ألتقيهم صدفة بما فيهم من لم أكن قد رأيته منذ مدة طويلة. كم كان هذا غريبا ! لم ألتق به مدة خمس سنوات، سامحته قبل ثلاثة أيام فقابلته صدفة!  كنت أمام مواجهة. عندما إلتقيتهم أحسست بالغضب من جديد، إذا فأنا لم أسامحهم بعد

النظام الإلهي كان يواجهني بشكل من الأشكال "هل فعلا سامحت؟ أم أنك فقط تظن ذلك ؟" لم يحدث هذا مع الأشخاص فقط. بل حتى الأحداث التي عشتها من قبل سامحتها، فعشت مثيلها بعد مدة قصيرة من ذلك. وبمجيء مثيل لها كنت أغضب من جديد. كنت وسط حلقة مفرغة: أقول أنني سامحت،  ثم أواجه الأمر من جديد فأشعر بالغضب. حينها فهمت أنني في الحقيقة لم أسامح بعد

في نهاية المطاف فهمت الأمر: النظام الإلهي يحتوي على ميكانزم في شكل حلقة مفرغة يبقى في وضعية عمل إلى حين مسامحة كل الأحداث وتحويلها إلى محبة. ما دمت لم أسامح بعد، سأعيش نفس الأحداث مرارا وتكرارا. عندما أدركت الأمر، عزمت أكثر على المسامحة. صادفت من جديد أولئك الأشخاص والأحداث. وحد النظام الإلهي طريقنا من جديد. حينما كنت أرى علاقتي السابقة كنت أحس بالغضب وخيبة الأمل. عندما نجحت في أن أسامحها ارتاحت هي وارتحت أنا أيضا. فاجئني الأمر حينها

من جعلت شرعي مكنسة له، وفعلت كل شيء في سبيل إسعاده، وضحيت بنفسي من أجله يقف أمامي دون أن أحس بغضب أو خيبة أمل، " يا إلهي! ما أجمل هذا الإحساس!". إحساس رائع أن تسامح شخصا وتتحدث ناظرا إليه لاحقا دون أن ينتابك إحساس سلبي. رددت حينها : حمدا وشكرا لله

بمرور الزمن، عشت نفس الإحساس مع باقي الأشخاص والأحداث الذين حاولت مسامحتهم. اختفى الغضب وخيبة الأمل أو تناقصوا. العفو حقا إحساس جيد... بالأخص النجاح في مسامحة من ضحيت في سبيلهم ومن اعتقدت يوما أنه من المستحيل مسامحتهم. بدأ ينتابني شعور بالهناء، خاصة بعد مسامحتي أكثر من آذوني

قلت مع نفسي : يبدوا هذا من أفضل الأحاسيس في الكون

لاحظت أنني كلما سامحت تضاعفت بركة عملي وتقوت أحاسيسي. بدأ كل شيء يستقيم خطوة خطوة

:لو أردنا تلخيص هذا الكتاب من أول صفحة سنستخلص ما يلي 

أدركت أن مخاوفي هي من تحكمت في مصير حياتي 

إذا مررت بمحنة أو لحظة صعبة فذلك يعني أن الوقت قد حان لأستيقظ وأتذكر من أكون               

بقدر عمق سباتي تكون قسوة الأحداث والأشخاص الذين أجذبهم من أجل إيقاظي  

توقفت عن البحث عن المسؤول عما عشته وعن اتهام نفسي  

عفوت عن الماضي من خلال النظر لما عشته من سلبيات على أنها في الحقيقة ليست      بتلك الفظاعة وأنها قد ساهمت في إيقاظي وتلقيني دروسا مفيدة

كل الأحداث والأشخاص التي اعتبرت فيما مضى أن العفو عنها أمر مستحيل، عفوت عنها لمصلحتي

لست مجبرا على التحدث مع من سامحتهم أو إخبارهم بمسامحتي لهم

أدركت أنه للتأكد من أنني قد سامحت فعلا، يكفي أن لا أشعر بأي شيء وأكون هادئا إذا ما جاء ببالي أحدهم أو سمعت أسمائهم أو قابلتهم

لست مجبرا أن أتظاهر بالقوة وأسعد الجميع

كم هذا رائع! أجمل إحساس في هذا العالم هو التقبل والعفو

العفو يجعلني حرا

حمدا وشكرا لله

En güncel gelişmelerden hemen haberdar olmak için Telegram kanalımıza katılın!