الجزء الثامن من كتاب: لغة الكون الإلهية. الثقة في المجرى الإلهي والبقاء في اللحظة الحاضرة

الجزء الثامن من كتاب: لغة الكون الإلهية. الثقة في المجرى الإلهي والبقاء في اللحظة الحاضرة

 مقتطف من كتاب: لغة الكون الإلهية.. الإستيقاظ

للكاتب: بولينت كارديان أوغلو

ترجمة: أميمة الزمراني

  

 

في السابق كنت أراقب وأحب وضع كل شيء تحت السيطرة. اعتقادا مني أنه إذا كانت مقاليد المراقبة بين يدي سيكون كل شيء على ما يرام. تدخلت دوما لأمنع انفلات حياتي من السيطرة وتدهورها. بسبب قلقي من المستقبل، حاولت دائما إحاطة كل شيء بحصن من المراقبة. لكنني أدركت يوما أن قوتي لم تعد كافية لذلك... كل ما حاولت أن أضعه تحت سيطرتي انفلت منها... بدأت أفقد كل ما أملك واحدا تلو الآخر، لم يتبق لي شيء لأتمسك به. وباستمراري متمسكا بالمراقبة لم يكن إلا أن خرج كل شيء عن سيطرتي، وتدهورت حياتي شيئا فشيئا

يا إلهي، ما كانت هذه المصيبة؟

لما حاولت أن أستعيد السيطرة كي أتفادى انزلاقي نحو الهاوية، صادفت جملة أعادتني إلى صوابي

لا تقلق إذا قلَبت حياتك رأسا على عقب. فكيف يمكنك أن تعرف أن الجانب الذي اعتدت عليه أفضل من الجانب الذي سيأتي؟ ؛ شمس التبريزي

أدركت كم أنني أقاوم التغيير

ماذا علي أن أفعل ؟

عندما بدأت بالبحث صادفت كثيرا عبارتي : المجرى و البقاء في اللحظة الراهنة

ماذا يعني ذلك؟

يحتوي جسدي على طاقة. كنت أضيع قسطا كبيرا من طاقتي في ما عشته بالماضي من أحداث سلبية وذكريات سيئة، وجزء آخر منها كنت أصرفه في قلقي من المستقبل وما سيحمله. لذلك لا يتبقى لي إلا القليل من الطاقة لما أقوم به في الحاضر. كنت إنسانا شديد الحساسية، يائس، كثير الإهتمام والتفكير في ما يقوله الناس وما يفعلونه. كنت أعيش حياتي بطاقة قليلة جدا. دهشت كثيرا عندما توصلت لهذا الأمر

بإمكاني أن أخلق تغييرا كبيرا في حياتي لو استطعت أن أجمع في اللحظة الحاضرة بين ما أضعته من طاقة بالتفكير في الماضي وما أضعته منها قلقا من المستقبل

اشتغلت على هذا الأمر مدة طويلة. لأنه كان موضوعا جديدا بالنسبة لي لم يسبق لي أن علمت به. كان علي أن أستعيد ما أهدرته وما وهبته للآخرين من طاقة. يجب أن أستخدمها كلها... ما كان علي القيام به سهل من الناحية النظرية... يكفي فهم معنى المجرى الإلهي والثقة به

في مساء عندما كنت أنظر إلى السماء فكرت... قبل وجود الإنسان على سطح الأرض  كانت الشمس والكواكب والنجوم موجودة... وهي لا تزال مستمرة في الوجود بمعجزة إلهية وبشكل منتظم دون عرقلة. هذا يعني أن النظام الإلهي يعمل بطريقة منتظمة. لا أدري كم مرة تدخلت في هذا النظام بدعوى مراقبة كل شيء ووضعه تحت السيطرة، فأرهقت نفسي دون جدوى

لو وضعت يدك بعجلة تدور بانتظام ماذا كان ليحصل ؟ أنا وضعتها. لم ينفع ذلك إلا في تأخير الحصول على كل ما أردته أن يتحقق

عندما أدركت هذا الأمر لم أنفعل. لأنني كنت قد تقبلت كل ما عشته من قبل

بدأت أجرب عدة تقنيات من أجل البقاء في اللحظة الحاضرة. حاولت أن أحصر تفكيري فقط في ما أقوم به في تلك اللحظة. في البداية كانت تأتي ببالي من حين للآخر ذكريات من الماضي وبعض المخاوف والقلق من المستقبل. فكنت أفقد تركيزي نتيجة ذلك

أولى تجاربي كانت حول أشياء بسيطة ويومية مثل إعداد الطعام، مشاهدة فيلم، تنظيف البيت... يا ترى كم مرة انزلقت أفكاري نحو اتجاهات مختلفة عندما كنت أزاول هذه الأعمال البسيطة؟  كان هدفي الأساسي سابقا من وراء تنظيف البيت ومشاهدة التلفاز هو إبطاء ما يدور بذهني من أفكار وإسكاتها. لكنني الآن عندما أنظف البيت لا أفكر إلا بالتنظيف فقط وأستمتع بذلك. عندما بدأت أزاول كل أعمالي بهذه الطريقة بدأت أعيش أحداثا اعتبرتها في ما مضى صدفة لكنني أراها الآن معجزات. في الحقيقة ما قمت به بسيط للغاية: ركزت أفكاري فقط حول ما أقوم به من عمل كيفما كان، وزاولته بحب. استمريت على هذا النحو مدة ثلاثة أشهر

نعم، بدأت تظهر في حياتي تغييرات. استطاع كل من حولي أن يرى ما تغير إيجابيا بداخلي وبحياتي.  كلما تغيرت الأوضاع والأفكار التي قلت عنها سابقا "لن أتمكن من تغييرها أبدا! ليس بيدي شيء لأفعله ! لن أنجح في ذلك !" وجدت نفسي أتقدم في اتجاه إيجابي. قمت بذلك من خلال تغيير أفكاري ووجهات نظري

ما أن قلت بداخلي " كم هذا رائع! هل كان ذلك بهذه السهولة ؟" حتى بدأ صوت بداخلي يردد " لماذا ضيعت ثلاثين سنة من عمري في المتاعب؟ أهدرت سنين من عمري هباء!". فجاءت ببالي من جديد هذه الفكرة : كنت لأفعل نفس الشيء كي أكسب عقلا مثل الذي أتمتع به الآن

في السابق كنت ناجحا للغاية في تحقيق وجذب كل مخاوفي، لذلك انصبت نيتي في المرحلة الموالية على عكس هذا الأمر. فأمضيت فترة مهمة أحاول التقدم بهذا الخصوص

وأنا أحاول ذلك، اندهشت كثيرا لرؤية تغير أمي وإخوتي وابنتي أيضا نحو الأفضل. كم هذا غريب ! كلما تغيرت نحو الأفضل تغير من حولي أيضا نحوه.. من الجميل أن أرى تغير من حولي وأسعدهم بسهولة من خلال إسعاد نفسي، عوض خدمتهم وجعل شعري مكنسة لهم كما كنت أفعل سابقا. قلت حينها:لأستمر إذا بكل حب 

كلما ركزت طاقتي فيما أعيشه باللحظة الراهنة، بدأت أحس بوجود مجرى إلهي. لقد كان دائما موجود، لكنني لم أدرك وجوده بسبب تحكمي وكثرة انشغالي بالتفكير في الماضي والمستقبل

كما لو أنني كنت أسكن في حي توجد به لوحة تمنع دخول السيارات له، فلم أدرك وجود هذه اللوحة لسنوات طويلة إلا بعد أن اشتريت سيارة.

فعدم القدرة على رؤية شيء لا يعني أنه غير موجود

حينما بدأت أحس بالمجرى الإلهي في حياتي، أدركت أنه رغم بساطة الحياة، قمت بتعقيدها لسنوات بواسطة أسلوب التفكير الذي تعلمته من أسلافي. كل شيء في أمن وأمان بهذا الكون.  مثلنا تماما. كلنا تحت العناية الإلهية على الدوام

كلما ازدادت ثقتي بالمجرى الإلهي أدركت أن ثقتي بنفسي وبخالقي تزداد أيضا

وأدركت أيضا في هذه المرحلة أنه من الواجب أن أقوي الرابطة التي تجمعني بربي

شروط الإيمان تتمثل في : الإيمان بوحدانية الله، وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره

من خلال ما قمت به من أبحاث لاحظت أن هناك من يطلب المساعدة من الملائكة. صدمني الأمر في البداية : لماذا سنطلب من الملائكة مع وجود الله سبحانه وتعالى؟ أليس هذا ذنبا ؟ هل من الصواب طلب المساعدة من الملائكة في المجرى الإلهي؟ هل يتوافق هذا الأمر مع جاء به ديننا ؟

اهتز كياني لهذا الأمر في البداية. لأن ما سمعته عن الدين في السابق كان يفيد بكون طلب المساعدة من الملائكة يعتبر ذنبا. الصواب هو توجيه الطلب إلى الله سبحانه

لكنني أصغيت هذه المرة لأحاسيسي، وعوض أن أكتفي بما سمعته أخذت بين يدي القرآن الكريم. قررت أن أتأكد من صحة المعلومة من مرجعها الأصلي. فبدأت أقرأ بتمعن وأحس ما أقرأه

لكنني عندما قرأته حار عقلي أكثر فأكثر. ما علموه لي أساسه ذنوب معاقب عليها. أما ما هو مكتوب في القرآن الكريم أساسه التسامح والود والهناء. لو دققنا أكثر سنرى أمورا مشابهة في الديانات الأخرى وباقي الفلسفات. كلها تأسست على العفو والتقبل والحب والوحدة

بقراءتي للقرآن الكريم أدركت أن الله لم يخلق شيئا عبثا. يجب أن نشكر الله في كل الأحوال والأزمان، وإذا أردنا أن نطلب شيئا فمن الخير أن نطلبه من الله مباشرة

 الله لم يخلق هذا العالم فحسب. هو خالق كل الكون. لهذا فأنا أقبل دون شرط كل معلومة زودنا بها بواسطة كتابه. وأختار أن أخلق الحب والود والهناء بداخلي وأشاركه كل من حولي. من الآن فصاعدا، عوض أن أفوض أمر من غضبت منهم لله أختار أن أتقبلهم على حالهم وأسامحهم

هذا ما أريد مني. وأنا اخترت أن أطيع دون شرط. في السابق كنت أحاول فرض سيطرتي على كل شيء. لولا إذن من الله لما تحركت ولو حبة رمل في هذا الكون

هذا يعني أن هناك نظام إلهي يعمل بطريقة مدهشة. وما علي إلا أن أحقق الإنسجام بكل حب مع هذا النظام، وأن أتذكر على الدوام حمد الله وشكره

عندما بدأت أتأقلم دون شرط مع النظام الإلهي، بدأت المعجزات والخيرات تدخل حياتي واحدة تلو الأخرى

حينما أقوم بعمل ما، أدعي بالأدعية التي أعرفها، وأستسلم في الوقت ذاته للمجرى الإلهي بكل حب. وبثقتي في مجرى الأحداث الإلهي تحقق كل ما تمنيته

لكنني حينما أمعنت النظر في ما تمنيته وما تحقق، لاحظت أن الفترة التي استغرقها تحقق ما أردته لنفسي وتلك التي استغرقها ما تمنيته ليكون خيرا لي وللجميع مختلفة. فما تمنيته أن يكون خيرا لي وللجميع تحقق أسرع مما تمنيته لنفسي فقط، كأن النظام الإلهي يساند كل من ينوي خدمة الجميع

بعد أن أدركت الأمر أصبحت كل أمنياتي على النحو التالي

 " إذا كان خيرا للجميع ليتحقق بسهولة وبشكل سليم"

أصبح أسلوب تفكيري هكذا

 أنا أثق بمجرى الحياة، وأنفتح على المعجزات، وأعلم بأن ذوي القلوب الطاهرة يعيشون في سعادة ويخوضون تجارب ناجحة. أنا أستحق كل شيء جميل

استغرقت المدة الفاصلة بين اليوم الذي انزلقت فيه إلى الهاوية ونجاحي في تحقيق الإنسجام مع المجرى الإلهي ثلاث سنوات. كانت فترة مليئة بالتدبدبات. فرحت حينا ويئست حينا آخر، لم أستسلم وواعدت نفسي

 لو احتفظت بما أضعته في السابق من جهد في سبيل الآخرين، وأنفقت عشر الزمن على نفسي سأتمكن من النجاح. إذا، أختار القيام بذلك

أشكر نفسي وأشكر من أعماقي كل من ساعدني من ذرة في إطار المجرى الإلهي

البقاء في اللحظة الحاضرة والثقة في المجرى الإلهي هما أكبر معجزة وثروة في هذه الحياة

يا إلهي، أتقبل بكل حب كل ما اشتكيت منه في السابق وما عشته من سلبيات، والتي أنا الآن مدرك أنها كانت وسيلة للوصول إليك، كما أتحمل الآن مسؤولية أفكاري

"أختار حبك ونورك يا إلهي"

"أنوي الانسجام بسهولة وبشكل سليم مع النظام الذي خلقته"

"أنا وكل من أحب في أمن وأمان"

En güncel gelişmelerden hemen haberdar olmak için Telegram kanalımıza katılın!